رياضة

هل يمكن للكرة المصرية مواجهة نفوذ الخليج؟

كيف ساهمت أموال الخليج في تغيير الهوية المصرية والسيطرة عليها؟

future صورة تعبيرية (الهيمنة الخليجية على الكرة المصرية)

30 أغسطس 2024

عدت إلى البيت مرهقاً، شارفت الساعة على التاسعة. أدلف إلى غرفة المعيشة بخطى ثقيلة. أنقض على الأريكة التي ستقوم بوظيفة سرير. أنبش عن الريموت أسفل المقعد. أقفز من قناة لأخرى دون توقف. قناة إخبارية؟ لا. توك شو سخيف؟ لا. أعرف القناة التي يمكنها العمل كخلفية مثالية للاسترخاء، أعرف أنني سأجد غايتي في قناة «أون سبورت».

هذا هو الهدوء الذي يناسب نهاية أسبوع طويل، أما المباراة التي ساعدتني على النوم فكانت نهائي كأس مصر بين فريقي بيراميدز وزد.

ما أجمل الفراغ! أتأمل تلك الصفوف من المقاعد الصفراء الخالية في ستاد برج العرب! ما أطيب الاستماع إلى صوت ارتطام الكرة بأقدام اللاعبين وقت التمرير والتسديد الممزوج بدوي صوت المدرب الكرواتي عبر مكبر الصوت وهو يلوم حكم الراية، فقط في نهائي كأس مصر يمكنك الإنصات إلى الأصوات الصادرة عن كل إنسان وجماد في الملعب لأنه لا صوت خارج الملعب.

 ترتفع الدرونز إلى أعلى، تنتقل ببطء فوق الاستاد الخالي، تلتقط مشاهد بديعة للمستطيل الأخضر الممتد، يمكنني الآن أن أغمض عيني، وفي الدقيقة العاشرة يسقط أحد لاعبي بيراميدز بعد احتكاكه بمدافع زد، وعندما ينزل إلى الملعب الطبيب المعالج يتوقف المذيع عن الثرثرة، يضاف حينها إلى جهازي العصبي طبقة نهائية من الهدوء لأستغرق في حالة نوم عميقة وغير متقطعة.

ذكريات التلفزيون المصري

15 يونيو 2001

في الفسحة، لم يكن هناك حديث في فناء المدرسة سوى عن المباراة النهائية لكأس مصر بين الأهلي وغزل المحلة.

 قبل العودة إلى الفصول، كان الاستمتاع بالحرية يتم عن طريق صراخ جماعي حول توقعات اسم الفائز بالكأس الليلة، وأسهم في بلوغ الأورجازم الطلابي معرفة الجميع أنهم يمكنهم اليوم التهرب من تأدية الفروض المدرسية المملة بحجة متابعة نهائي الكأس.

كنت أستمتع بمتابعة قنوات الأقاليم دائماً أثناء مواجهتها للأهلي، فإذا واجهنا الإسماعيلي فلا بد من مشاهدة القناة الرابعة التي يحتلها علاء وحيد وزوجته التي يلتف شعرها بين كتفيها مثل أسد يضع أحمر شفاه، وإذا كنا سنواجه الاتحاد السكندري أو الكروم فلا بد من متابعة القناة الخامسة، أما إذا واجهنا أسوان فعلينا أن ننطلق إلى جنوب الريموت، في القناة الثامنة يبدأ الحديث عن مباراة أسوان مع الأهلي عقب برنامج أختي الصعيدية.

 أما يومها، فالقناة المصرية السادسة التي بدأت إرسالها في مايو 1994 لخدمة إقليم الدلتا (الغربية، المنوفية، كفر الشيخ، الدقهلية، دمياط) ومقرها مدينة طنطا؛ فلم تدخر جهداً في مؤازرة مدينة المحلة وشركتها المنتجة للغزل والنسيج في كفاحها المشروع ضد نادي العاصمة الكريه، تجمع سكان المدينة وعمال الشركة في قلب المحلة ولأن الشاشات العملاقة لم تكن متاحة حينها، جلس الآلاف خلف الشاشات الصغيرة المنتشرة في المقاهي الشعبية منتظرين المعجزة، نقل العاصمة من القاهرة إلى الغربية ولو ليوم واحد.

فلماذا أحب سكان الدلتا شركة المحلة وفريقها لكرة القدم لهذه الدرجة بينما لم يحضر أي من سكان أسيوط كي يقوموا بتشجيع نادي الأسيوطي سبورت أو بيراميدز كما سماه المستشار تركي آل الشيخ؟

دعم أم هيمنة؟ 

للإجابة على هذا السؤال لا بد من الحديث عن شركة «ميتسوبيشي» اليابانية التي قامت بتأسيس فريق لكرة القدم في منتصف القرن الـ20 تحت اسم فريق الشركة، وكان هدفها الرئيسي مثل شركة غزل المحلة، دعم الأنشطة الرياضية للعاملين بها. ولكن في خطوة لاحقة، قامت الشركة بتغيير اسم الفريق إلى «أوراوا رد دياموندز» بهدف زيادة شعبية الفريق بين سكان مدينة أوراوا وتشجيعهم على دعمه، مما أسهم في ترسيخ الهوية المحلية للنادي. هذا التغيير في الاسم والاستراتيجية كان بمثابة محاولة لخلق رابط أقوى بين الفريق والمجتمع المحلي، مما أدى إلى نجاح الفريق على مستوى الدعم الجماهيري.

 إذا قارنا هذا المثال الياباني بما حدث في مصر مع الأسيوطي نرى النقيض تماماً، فالنادي الذي تم تأسيسه وصعوده من خلال مستثمر مصري في منطقة صعيد مصر باع النادي لمستثمر سعودي ثم إماراتي، وغُير اسمه إلى «نادي بيراميدز»، وبدلاً من تعزيز ارتباط النادي بمحافظة أسيوط التي نشأ فيها، كي يستفيد من الدعم الجماهيري هناك، تمت إعادة توجيه هوية النادي بالكامل ليصبح بيراميدز الخليجي، فقط هكذا. 

تذرُع المسئولين الخليجيين بالاستثمار في الكرة المصرية عن طريق بيراميدز لم يعد ذكياً إذ لم يعد يخفى على أحد الخسائر التي يتعرض لها النادي نتيجة شرائه لاعبين أجانب بأسعار باهظة ثم بيعه إياهم بالخسارة، ووفقاً لما جاء في موقع «ترنسفير ماركت» فإنه تم شراء البرازيلي كينو مقابل ثمانية ملايين و600 ألف دولار قادماً من بالميراس البرازيلي، وبعد إعارته للجزيرة الإماراتي بمبلغ غير معلوم تم بيعه إلى أتلتيكو مينيرو مقابل مليونين و200 ألف دولار، وبالتالي وصلت خسارة بيراميدز في بيعه إلى ستة ملايين و400 ألف دولار، نحن بصدد الحديث عن صفقة واحدة!

إذن فإصرار السعودية ثم الإمارات على الاستثمار في نادي مثل بيراميدز لا يمكن أن يكون بدافع تجاري، كما أنه ليس بغرض زيادة شعبية الخليج في الشارع، فمنذ شراء الأسيوطي وتحويله إلى بيراميدز أصبح ينظر إليه من قبل جماهير الكرة في مصر على أنه محاولة من الأثرياء العرب للاعتداء على سيادة الأهلي والزمالك التراثية على الهوية الكروية المصرية، لذا كان من الطبيعي توقع مقاومة لتلك المحاولات من طرف العوام الذين يفهمون جيداً أن الاستثمارات الخليجية المتجهة دائماً لشراء رموز فنية أو رياضية تكون بهدف فرض النفوذ وليس تحسين الأوضاع المحلية.

على سبيل المثال، تخيل لو لم يقم تركي آل الشيخ بتغيير اسم النادي أو مقره من أسيوط. ما الذي كان سيحدث عندما يتم ضخ كل تلك الأموال في ناد يمثل الصعيد؟ أغلب الظن أن الوضع كان سيصبح شبيهاً لما حدث في غزل المحلة. شركة من شركات الصعيد البعيدة عن المركز تقوم بمناكفة الأهلي، كان محتمل جداً أن تعثر هذه الشركة على ظهير جماهيري معتبر من الصعايدة بدلاً من أن تصبح مجبرة على شراء ألتراس مرتزقة رواتبهم 200 جنيه ووجبة مقابل المباراة.

فلماذا لم يقم المستثمر الخليجي بفعل هذا؟ ببساطة لأن هذه لم تكن رغبته.

الكرة كعلاج

أيُعقل أن يقوم أحدهم بامتلاك فريق لكرة القدم كي تكرهه الجماهير؟

الإجابة: برثا بابنهايم مريضة عُولِجَت على يد سيغموند فرويد وجوزيف بروير في أواخر القرن الـ19. كانت برثا شابة أظهرت مجموعة من الأعراض النفسية، بما في ذلك الهستيريا والشلل والهلاوس. بدأت أعراضها بعد حدث صادم يتعلق بمرض والدها ووفاته.

استخدم بروير طريقة تُعرف بتنظيف المدخنة حيث كانت برثا تروي تجاربها الصادمة ومشاعرها خلال جلسات العلاج. كانت هذه العملية تهدف إلى كشف وتعبير عن الذكريات والمشاعر المكبوتة.

من خلال هذه العملية، شهدت المريضة تخفيفاً كبيراً في مشاعرها وتحسناً في أعراضها. لاحظ بروير وفرويد أن التعبير عن المشاعر المكبوتة ومعالجتها أدى إلى تقليل أعراضها، وهو ما أطلقا عليه التنفيس.

إذا تأملنا هذا المصطلح النفسي سنفهم لماذا يُسمح لمسئولي كرة القدم في الأهلي بانتقاد بيراميدز والسخرية من الأموال الخليجية، إذ إنه ليس هناك أفضل من تنظيم احتجاجات منظمة ومسيطر عليها كل عام يصب فيها مشجعو الأهلي أو الزمالك خلال كل مباراة مع بيراميدز جام غضبهم على النادي السماوي ومالكيه من أجل التنفيس عن الغضب الشعبي المصري والتحكم في الرأي العام تجاه تنامي نفوذ الخليج في مصر، النفوذ الذي وصل إلى حد شراء جزر في البحر الأحمر ومدينة في البحر المتوسط.

في النهاية يبدو أن الاستثمار الخليجي في كرة القدم المصرية ساعد على تفريغ الغضب العام بل وضبط إلى حد ما الانفعالات تجاه الهيمنة الخليجية المتزايدة على مصر، وليس هناك دليل على ذلك أبلغ من أنني استطعت النوم بفضل المباراة التي استطاع فيها بيراميدز الفوز بكأس مصر.

# رياضة # كرة القدم المصرية

كيف أتت الشركة الألمانية بنظام الدوري الجديد؟
تبادل القمصان: التقليد الكروي الذي قد يجعلك مليونيراً
الطابق المسحور: أين اختفى جيل منتصف التسعينيات؟

رياضة